الأربعاء، 28 مايو 2014

"ووضع الميزان"


"ووضع الميزان"
ليس غريبًا أن تعرف أن جميع عناصر الطبيعة متزنة ...
الغريب حقًا أن تعرف أن هذه العناصر تسعى دومًا للإتزان؛ وإذا تدخل الإنسان -كالمعتاد- لتغيير نسب هذا العناصر؛ فإن الطبيعة تستطيع أن تتغلب على هذا الإختلال.
لنتحدث في نطاق ضيق لنتمكن من فهم الأمر بشكل أعمق:
- الجميع يعرف أننا إذا رششنا عطرًا في أحد جوانب الحجرة؛ فإن كثافة الرائحة تكون أعلى في هذا الجانب، ولكنها سرعان ما تنتشر في الغرفة لتصبح كثافتها متجانسة في كافة أرجاء الحجرة وليتزن النظام.
- والجميع يعرف أيضًا أننا إذا وضعنا بعض الملح في الماء فإن جزيئات الملح سرعان ما تنتشر فيه
- فلنعلب مع الملح إذًا لمنع حدوث هذا الإتزان:
سنضع غشاءً شبه منفذ في وسط إناء به ماء (الغشاء يسمح بمرور الماء ولا يسمح بمرور الملح).
ثم سنضع بعض الملح في أحد جوانب الأناء فيحاول أن ينتشر في سائر أنحاء الماء ولكنه لن يستطيع لأن الغشاء سيمنعه بالتأكيد.
لا بأس؛ فالطبيعة تستطيع أن تتغلب عليك، وستصل إلى الإستقرار مهما كان الثمن، وإذا كان الملح لا يستطيع الانتقال؛ فالماء يستطيع ....
نفاجأ بأن الماء ينتقل من الجانب الذي تركيز الملح به أقل إلى الجانب الذي تركيز الملح به أكبر ليصبح تركيز الملح متقاربًا بين الجانبين
- تسمى هذه الظاهرة (الظاهرة الأسموزية)


وهي التي تساعد النبات على امتصاص الماء من التربة
كما أنها أيضًا تساعد الشعيرات الدموية الوريدية على امتصاص الدم بعد أن يغذي الخلايا
ويستخدمها الإنسان أيضًا كطريقة لفصل الملح عن الماء (تحلية ماء البحر)
ربما يعد هذا مثالاً بسيطًا لتوضيح الأمر ...
- ولكننا إذا انتقلنا من جانب الفيزياء إلى جانب الفسيولوجيا فسنجد من أمثال هذا الكثير، ولكن بشكل أكثر تعقيدًا ....
فلنأخذ ضغط الدم مثالاً:
عندما يكون الإنسان مستلقيًا يكون ضغط الدم متساويًا في كافة الشرايين الطرفية، وذلك لأن كلها في مستوى أفقي واحد ويكون النظام متزنًا حسب قوانين الفيزياء ...
أما إذا قرر الشخص النهوض؛ فبالتأكيد سيكون رأسه في مستوى أعلى من سائر جسده وتقرر الفيزياء أن ضغط الدم في الرأس يكون أقل ما يمكن، وفي القدمين يكون أكبر ما يمكن، ولا يصل قدر كافي من الدم للمخ ويصاب الإنسان بالإغماء وربما يموت !!!!
بالتأكيد لا يحدث هذا ....
فالفسيولوجيا تقول كلمتها؛ ولن تسمح باختلال الإتزان بالتأكيد.      
ترسل الحساسات الموجودة في الشرايين إشارات إلى المخ لتخبره بأن الضغط يقل ...
فيرسل المخ إشارات ليقوم بقبض الشرايين التي قل فيها الضغط ...
وبنقصان قطر الشريان؛ تزداد سرعة الدم فيه (كما تنص معادلة الاستمراية في حركة الموائع) ليصل الدم بسرعة إلى الأجزاء المرتفعة من الجسم، ويعود الوضع إلى الاتزان.
هذا يفسر لنا ما نشعر به أحيانًا من الدوار؛ وربما الإغماء بعد الإستيقاظ من النوم والقيام مباشرة وبسرعة من السرير ...
فالحساسات لم تعمل بعد، ولكنها ما تلبث أن تعمل ويشعر الشخص بزوال الدوار.
يحدث هذا كثيرًا في جسد الإنسان؛ وخارج جسد الإنسان ...
وذلك لأن الميزان الذي يضبط الكون هو ميزان دقيق وضعه الله وأمرنا أن نحافظ عليه
"والسماء رفعها، ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان"
             

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق